سورة النازعات - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


{والنّازعات غَرْقاً* والنّاشطاتِ نشطاً* والسّابحاتِ سبحاً* فالسّابقاتِ سبقاً* فالمدبّرات أمراً} لا وقف إلى هنا. ولزم هنا لأنه لو وصل لصار {يوم} ظرف {المدبرات} وقد انقضى تدبير الملائكة في ذلك اليوم. أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد غرقاً أي إغراقاً في النزع أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها ومواضع أظفارها، وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، وبالطوائف التي تسبح في مضيها أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم. أو بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب، والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد، والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه. أو بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب، وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى الغرب، والتي تخرج من برج إلى برج والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمراً من علم الحساب. وجواب القسم محذوف وهو (لتبعثن) لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة.
{يوم تَرْجُفُ} تتحرك حركة شديدة والرجف شدة الحركة {الرَّاجِفَةُ} النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها لأنها تضطرب بها الأرض حتى يموت كل من عليها {تَتْبَعُهَا} حال عن الراجفة {الرَّادِفَةُ} النفخة الثانية لأنها تردف الأولى وبينهما أربعون سنة، والأولى تميت الخلق والثانية تحييهم {قلوبٌ يومئذٍ} قلوب منكري البعث {وَاجِفَةٌ} مضطربة من الوجيب وهو الوجيف. وانتصاب {يوم ترجف} بما دل عليه {قلوب يومئذ واجفة} أي يوم ترجف وجفت القلوب، وارتفاع {قلوب} بالابتداء و{واجفة} صفتها {أبصارُها} أي أبصار أصحابها {خاشِعَةٌ} ذليلة لهول ما ترى حبرها {يقولونَ} أي منكرو البعث في الدنيا استهزاء وإنكاراً للبعث {أَءِنَّا لمردودون في الحافرةِ} استفهام بمعنى الإنكار أي أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر فنعود أحياء كما كنا؟ والحافرة الحالة الأولى يقال لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه: رجع إلى حافرته أي إلى حالته الأولى. ويقال: النقد عند الحافرة أي عند الحالة الأولى، وهي الصفقة أنكروا البعث. ثم زادوا استبعاداً فقالوا {أَءِذا كنا عظاماً نَّخِرَةً} بالية {ناخرة}: كوفي غير حفص. وفَعِلَ أبلغ من فاعل يقال: نخر العظم فهو نخر وناخر. والمعنى أنرد إلى الحياة بعد أن صرنا عظاماً بالية؟ و(إذا) منصوب بمحذوف وهو (نبعث) {قالوا} أي منكرو البعث {تِلْكَ} رجعتنا {إذاً كَرَّةٌ خاسرةٌ} رجعة ذات خسران أو خاسر أصحابها، والمعنى أنها إن صحت وبعثنا فنحن إذاً خاسرون لتكذيبنا بها وهذا استهزاء منهم {فَإِنَّما هي زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} متعلق بمحذوف أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عز وجل فإنها سهلة هينة في قدرته فما هي إلا صيحة واحدة يريد النفخة الثانية من قولهم: زجر البعير إذا صاح عليه {فإذا هم بالسَّاهِرةِ} فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعدما كانوا أمواتاً في جوفها. وقيل: الساهرة أرض بعينها بالشأم إلى جنب بيت المقدس أو أرض مكة أو جهنم.


{هل أتاك حديث موسى} استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما يجب أن يشيع والتشريف للمخاطب به {إذ ناداه رَبُّهُ} حين ناداه {بالوَادِ المقَدَّسِ} المبارك المطهر {طوًى} اسمه {اذهب إلى فرعون} على إرادة القول: {إنَّهُ طغى} تجاوز الحد في الكفر والفساد.
{فقل هل لّك إلى أن تزكى} هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان. وبتشديد الزاي: حجازي {وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ} وأرشدك إلى معرفة الله بذكر صفاته فتعرفه {فتخشى} لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28] أي العلماء به. وعن بعض الحكماء: اعرف الله فمن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفة عين. فالخشية ملاك الأمور من خشي الله أتى منه كل خير، ومن آمن اجترأ على كل شر. ومنه الحديث: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل» بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه باللطف في القول ويستنزله بالمداراة عن عتوه كما أمر بذلك في قوله تعالى: {فقولا له قولاً ليناً} [طه: 44] {فأراه الآية الكبرى} أي فذهب فأرى موسى فرعون العصا أو العصا واليد البيضاء لأنهما في حكم آية واحدة {فَكَذَّبَ} فرعون بموسى والآية الكبرى وسماهما ساحراً وسحراً {وعصى} الله تعالى: {ثمّ أدْبَرَ} تولى عن موسى {يسعى} يجتهد في مكايدته، أو لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسرع في مشيته وكان طيّاشاً خفيفاً {فَحَشَرَ} فجمع السحرة وجنده {فنادى} في المقام الذي اجتمعوا فيه معه {فقال أنا ربّكم الأعلى} لا رب فوقي وكانت لهم أصنام يعبدونها {فأخذه الله نكال الآخرة} عاقبة الله عقوبة الآخرة والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم. ونصبه على المصدر لأن أخذ بمعنى نكل كأنه قيل: نكل الله به نكال الآخرة أي الإحراق {والأولى} أي الإغراق، أو نكال كلمتيه الآخرة وهي {أنا ربكم الأعلى} والأولى وهي {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38] وبينهما أربعون سنة أو ثلاثون أو عشرون {إنّ في ذلك} المذكور {لَعِبْرَةً لّمن يخشى} الله.
{ءَأنتُمْ} يا منكري البعث {أشَدُّ خَلْقاً} أصعب خلقاً وإنشاء {أم السَّمَاءُ} مبتدأ محذوف الخبر أي أم السماء أشد خلقاً. ثم بين كيف خلقها فقال: {بناها} أي الله. ثم بين البناء فقال: {رَفَعَ سَمْكَهَا} أعلى سقفها. وقيل: جعل مقدار ذهابها في سمت العلو رفيعاً مسيرة خمسمائة عام {فسواها} فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أظلمه {وأَخْرَجَ ضُحَاهَا} أبرز ضوء شمسها، وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلمتها والشمس سراجها {والأَرْضَ بَعْدَ ذلك دَحَاهَا} بسطها وكانت مخلوقة غير مدحوة فدحيت من مكة بعد خلق السماء بألفي عام.
ثم فسر البسط فقال: {أَخْرَجَ منها مَاءَها} بتفجير العيون {ومَرْعَاهَا} كلأها ولذا لم يدخل العاطف على {أخرج} أو {أخرج} حال بإضمار (قد).
{والجبال أرساها} أثبتها وانتصاب الأرض والجبال بإضمار دحاً وأرسى على شريطة التفسير {متاعاً لَّكُمَ ولأنعامِكُمْ} فعل ذلك تمتيعاً لكم ولأنعماكم {فإذا جاءتِ الطَّامَّةُ الكبرى} الداهية العظمى التي تطم على الدواهي أي تعلو وتغلب وهي النفخة الثانية، أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
{يوم يَتَذَكَّرُ الإنسانُ} بدل من {إذا جاءت} أي إذا رأى أعماله مدونة في كتابه يتذكرها وكان قد نسيها {ما سعى} مصدرية أي سعيه أو موصولة {وبُرِّزَتِ الجحيم} وأظهرت {لمن يرى} لكل راء لظهورها ظهوراً بيناً.
{فأمّا} جواب {فإذا} أي إذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك {من طغى} جاوز الحد فكفر {وَءَاثَرَ الحَياةَ الدُّنْيَا} على الآخرة باتباع الشهوات {فإن الجَحِيمَ هِيَ المأوى} المرجع أي مأواه، والألف واللام بدل من الإضافة وهذا عند الكوفيين، وعند سيبويه وعند البصريين هي المأوى له {وأمّا من خاف مَقَامَ رَبِّهِ} أي علم أن له مقاماً يوم القيامة لحساب ربه {ونهى النَّفْسَ} الأمارة بالسوء {عن الهوى} المؤذي أي زجرها عن اتباع الشهوات. وقيل: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها، والهوى ميل النفس إلى شهواتها {فإنّ الجَنَّةَ هِيَ المأوى} أي المرجع {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أيَّانَ مُرْسَاهَا} متى إرساؤها أي إقامتها يعني متى يقيمها الله تعالى ويثبتها {فِيمَ أنتَ مِن ذِكْرَاهَآ} في شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم وتعلمهم به أي ما أنت من ذكراها لهم وتبيين وقتها في شيء كقولك: ليس فلان من العلم في شيء. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت، فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها أي أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها.
{إلى رَبِّكَ مُنتَهَاها} منتهى علمها متى تكون لا يعلمها غيره، أو فيم إنكار لسؤالهم عنها أي فيم هذا السؤال. ثم قال: {أنت من ذكراها} أي إرسالك وأنت آخر الأنبياء علامة من علاماتها فلا معنى لسؤالهم عنها، ولا يبعد أن يوقف على هذا على {فيم} وقيل {فيم أنت من ذكراها} متصل بالسؤال أي يسألونك عن الساعة أيان مرساها ويقولون أين أنت من ذكراها. ثم استأنف فقال: {إلى ربك منتهاها} {إنّما أنت منذر من يخشاها} أي لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يخاف شدائدها. {منذر} منون: يزيد وعباس {كَأنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} أي الساعة {لم يَلْبَثُوا} في الدنيا {إلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أي ضحى العشية استقلوا مدة لبثهم في الدنيا لما عاينوا من الهول كقوله: {لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} [الأحقاف: 35] [يونس: 45] وقوله: {قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم} [الكهف: 19] [المؤمنون: 113] وإنما صحت إضافة الضحى إلى العشية للملابسة بينهما لاجتماعهما في نهار واحد، والمراد أن مدة لبثهم لم تبلغ يوماً كاملاً ولكن أحد طرفي النهار عشيته أو ضحاه، والله أعلم.